نماذج علاج الادمان


بدأ الاهتمام بعلاج المدمنين بشكل رسمي مع إقرار هيئة الأمم المتحدة في منتصف الخمسينات من القرن الماضي ، أحقية المدمنين في العلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي متى توفرت الإمكانات المادية فقد صدرت إتفاقية مكافحة المخدرات في منتصف التسعينيات استبدال العقوبات بأساليب علاجية وطرق تأهيلية ووقائية .


ونماذج علاج الادمان عبارة عن تدخلات مقصورة تستهدف إحداث تغييرات إيجابية على تحقيق أعلى مستوى ممكن من التوافق النفسي والتكيف الاجتماعي وتجنب الإنتكاسات المرضية  .


إن التدخلات الإكلينيكية تبدأ بإجراء تقييم شامل متبوعاً بأساليب تدخل مناسبة تأخذ في الاعتبار الجوانب التالية :


1- تحديد نوعية المادة التي أسيء استخدامها ودرجة الاعتماد الجسمي والنفسي عليها .

2- تقييم درجة تداخل هذه المواد المخدرة مع الحياة اليومية .

3- الحالة الصحية النفسية للمدمن .

4- مستوى الدافعية لدى المدمن للبحث عن العلاج وتحفيزه على الاستفادة منه .

5- تحديد إمكانات المؤسسة العلاجية .

6- تحديد إمكانات وقدرات الفريق المعالج .

7- تحديد إمكانات مصادر التعلم والمساندة المادية والبشرية والاجتماعية المتوفرة في المجتمع المحلي ومدى إمكانية الاستفادة منها .

8- مساعدة المريض على تطبيق برامج النقاهة والرعاية اللاحقة .

9- مساعدة أعضاء الأسرة والآخرين المؤثرين على فهم المواد الكيماوية ومعرفة أبعاد آثارها على الجميع .


أما عن عملية التقييم فهي عملية تفاعلية مستمرة تتكون من مهام عديدة منها :


1- تحديد التشخيص .

2- تحديد وتأكيد درجة التأثير والشدة التي يسببها العقار (المادة) على المدمنين ومن حولهم .

3- تأسيس خطوط عرضة وأرضية أساسية لوضع المريض حتى يمكن للفريق المعالج إجراء المقارنات مستقبلاً .

4- تقديم دليل أو مخطط يعكس مدى تقدم المريض وتحسن حالته خلال مرحلة المعالجة .

5- تقويم تأثير العوامل والمؤثرات البيئية والمحاولات الوقائية المناسبة .

6- يتضمن التقييم الشامل الفحص الطبي والتحليل المخبري والمقابلات العيادية وتطبيق المقاييس النفسية وجمع التقارير الطبية والشخصية والاجتماعية السابقة .

النماذج المتاحة لعلاج الادمان :


تشير أدبيات علاج الإدمان على المخدرات إلى وجود عدد من النماذج والتصنيفات التي يمكن إجمالها في الآتي :

1- النموذج البدائي : وهو نموذج آسيوي قديم يمكن تسميته بنموذج الأرواح الشريرة كما ذكر دافيز في تصنيفه وفيه تكون
الأسباب غير معروفة والمآل هو الوفاة حيث لايوجد أمل في الشفاء أو أي نوع من المعالجة وكل ما يقدم للمرضى هو أدنى الحقوق الإنسانية .

2- النموذج الأخلاقي الجامد (Dry) : وتعزى الأسباب فيه إلى غياب الوازع الأخلاقي وارتكاب الخطايا وعدم تحلي المدمن بالمسؤولية الشخصية فالإدمان ليس مرضاً ويلعب الدين دوراً في أسلوب المعالجة للسلوكيات أما المآل فهو ضعيف .

3- النموذج السيكوديناميكي : وتعزى أسباب الإدمان في هذا النموذج إلى وجود اضطرابات في الشخصية حيث توجد مشكلة في العلاقة البينشخصية بوجود خلل مرضي في الشخصية يؤدي إلى ظهور الأعراض ، والعلاج النفسي هو الأنسب ويعتبر الاستبصار حجر الزاوية في
العلاج .

4- نموذج التفاعلات الأسري : ويرى هذا النموذج أن الخلل ليس في الفرد بل في النسق الأسري فهو السبب وليس العرض كما هو الحال مع النموذج المرضي ويعد العلاج الأسري هي الطريقة الأنسب للتعامل مع الحالات .

5- نموذج النقص العاطفي : يرى أن فقدان الحب هو المسؤول عن الإدمان وبالتالي فالعمل العلاجي يركز على التقدير والاحترام الذاتي والقبول من الآخرين .

6- النموذج الطبي القديم : والنظرة في هذا النموذج إلى المشكلة على أنها قديمة ومتأصلة ويستخدمها الفرد ولأنه غير مسؤول أو مبال ، أما
العلاج فيركز على إزالة الأعراض المرضية باستخدام المواد الكيماوية .

7- نموذج المرض المزمن : وفي هذا النموذج يعتقد أن الأسباب لكل علاقة بالعوامل الوراثية والبيوكيماوية وهذا يبعد وصحة المرض المرتبطة بالنماذج الثلاثة الأول والعلاج يركز على الانقطاع والتوعية لمعرفة طبيعة المرض وتطوير المسؤولية الذاتية .

8- نموذج الجمعيات التطوعية (na) : يركز على الاستفادة من تجارب المدمنين السابقين ومقاومة هاجس الانتكاسة.

برنامج الخطوات الاثنى عشر من أكثر البرامج ممارسة في هذا النموذج .

والمحتوى هنا ليس الوصول إلى حالة من بقاء الجسم نظيفاً وسليماً ، بل الاستمرار في ذلك وتطوير أسلوب حياة صحي سليم .

بصورة عامة فالعلاج يتمحور حول ثلاث ركائز أساسية هي :


1- إزالة السموم من الجسم .
2- معالجة الأعراض الانسحابية الجسمانية والسلوكية .

3- بناء وتعزيز قدرات الأفراد المدمنين الفكرية والسلوكية والاجتماعية .

ويأخذ العلاج نمطين متميزين هما :

1- نمط العلاج الداخلي وذلك بتنويم الحالات في المستشفى لمدة تتراوح بين أسبوع إلى أربعة أسابيع .

2- نمط العلاج الخارجي ويتم ذلك من خلال مناظرة الحالات ومتابعتها من خلال العيادات الخارجية والمراكز الصحية والنفسية .

أنواع العلاج وأشكالها :

تتعدد أنواع العلاجات وصورها ولكن يمكن حصرها في الأشكال التالية :

1- العلاج البيوكيماوي والطبي .

2- العلاج النفسي الفردي .

3- العلاج النفسي الجمعي .

4- العلاج النفسي الأسري .

5- العلاج الاجتماعي التدعيمي .

6- الرعاية اللاحقة .

أولاً العلاج البيوكيماوي الطبي :


يقوم دكتور علاج الادمان في هذا النوع من العلاجات بعمل عدة إجراءات ذات طابع إسعافي وكيماوي علاجي ، من أجل التعامل مع حالات التسمم الحاد والذي يظهر بسبب تناول المريض لجرعات كبيرة من المخدرات أو لتعاطي كميات كثيرة من المواد الكحولية والمسكره أو ما يماثلها مما يسبب أعراضاً من الهياج والاضطرابات الانفعالية والسلوكية والضلالات والهلاوس والتي قد تحمل بعض الأضرار المادية والنفسية والجسمانية للمريض أو من لهم علاقة به .

وعادة يستخدم المعالجون سلسلة من الإجراءات الطبية تستهدف سحب السموم وتطهير الجسم وتنظيفه منها وتعتمد في مدتها ودرجة تعقيدها على نوعية المخدر ومدة الاعتماد الجسماني وحالة المدمن ومهارات المعالجين وإمكانات المؤسسة العلاجية ومواردها .

هذه الإجراءات الطبنفسية قد تستغرق في المتوسط أسبوعاً إلى عشرة أيام .

والعلاج الطبي النفسي يقوم على مبدأين كما يرى سويف (1996) هما :


1- الفطام التدريجي وفيه يتم استخدام مواد وعقاقير كيماوية مثل الميثادون والكلونيرين لاستكمال عملية الفطام من الأفيونات خاصة الهيروين .

2- إغلاق القنوات العصبية لمنعها من استقبال الأفيونات باستخدام عقاقير مثل نالتريكسون .

إن الهدف من هذين الإجرائين هو العودة بالجسم إلى حالة من التوازن الحيوي الفسيولوجي .

ويحرص الفريق الطبي المعالج وفي سبيل الوقاية من المضاعفات الطبية إلى وضع رقابة إكلينيكية مستمرة للحالة في اليومين الأولين للتأكد من سلامة أداء المؤشرات الحيوية كالنبض وضغط الدم ومستوى حرارة الجسم ، علاوة على توفير أجواء إنسانية متعاطفة ومتعاونة تساعد المريض على الهدوء والطمأنينة والابتعاد عن القلق والخوف .

أخيراً ، فإن هناك من يستخدم العقاقير الكيماوية المضادة للمادة المخدرة كاستخدام مادة الميثادون للتخلص والتغلب على الأعراض الانسحابية للهيروين حيث يساعد في قتل التوق واللهفة في التعاطي وهي طريقة مقبولة حتى ما تم ربط ذلك بالعمل على تحسين ظروف المدمن النفسية الاجتماعية والأدائية حتى لاتصبح العملية استبدال الهيروين مثلاً بمخدر آخر كالميثادون أو الكلونيدين .

ثانياً العلاج النفسي الفردي :


وفيه يتم اللقاء بين المدمن والمعالج النفسي سواء كان طبيباً نفسياً أو أخصائياً نفسياً في الغالب لمدة تتراوح بين 40-50 دقيقة ولمرة واحدة خلال الأسبوع .

في هذا الأسلوب العلاجي يقوم المعالج بتطبيق الكثير من الطرق والفنيات العلاجية السلوكية والسلوكية المعرفية والسيكوديناميكية والإنسانية والمعرفية والتي يمكن إجمالها فيما يلي :

1- إعادة البناء المعرفي :

وفيه يعمل المعالج النفسي على مساعدة المدمن على إعادة بناء وتنظيم إعتقادية وتثبيت أفكاره الإيجابية الجديدة بطريقة تعكس الواقع المناسب وبالتالي العمل على تخفيض الإفادات السلبية التي يحملها المريض نحو نفسه ونحو الآخرين وما يصاحب ذلك من قلق ويؤثران وخوف واستبدالها بأفكار منطقية وواقعية ذات طابع إيجابي .

2- تحسين أساليب المراقبة الذاتية :

ويعمل المعالج على جعل المدمن قادراً على تحليل أنماط الاستخدام وطرق مراقبتها وكذلك مساعدة
المريض على بناء إفادات تذكير وعبارات تنبيه دائم بشأن الالتزام والانتظام . أيضاً يطلب من المريض تحديد الأوضاع والأفراد والمشاعر والاعتقادات المرتبطة
بالتعاطي .

أخيراً يشجع العميل على تكوين ذخيرة من مهارات المواجهة والتكيف من خلال النمذجة والتدريب والواجبات المنزلية .

3- تحسين المهارات الاجتماعية :

وفيها يتم تدريب المدمن على بعض المهارات الاجتماعية التي تساعده على إقامة تفاعلات بينشخصية سواء من خلال الاقتداء بالنماذج الاجتماعية أو من خلال استغلال الدعم الاجتماعي وتطويره أو بواسطة تكوين العلاقات والصداقات الجديدة التي تخرج الشخص من دائرة العزل والانطواء الاجتماعي .

4- تحسين مهارات الاتصال :

ويتم ذلك من خلال تطوير مهارات تساعد المدمن على التعبير اللفظي عن نفسه ومشاعره واستخدام ضمائر "الأنا" بدلاً من التهرب والتسويف كما تعمل هذه المهارات على تأكيد ذاته وتسهيل وعيه بالسلوكات المناسبة وزيادة قدرته على المناقشة والإقناع .
5- تطوير مهارات حل المشكلات : ويتضمن تعليم المدمنين مهارات التعامل مع المواقف الحياتية الضاغطة وفق خطوات وإجراءات علمية وعملية منطقية وتحديد للمكاسب الثانوية المؤقتة التي تعيق عملية التغيير المنشودة .

6- تحسين مستوى التقدير والاحترام الذاتي

 ويتضمن تحديد نقاط القوة والإنجاز الشخصي والتركيز عليها وتحديد المناطق والجوانب التي تحتاج إلى تغيير في شخصية
المريض وتطويرها حتى يكتسب الاعتراف والثقة بالنفس .

7- تطوير مهارات الرفض :

ويتم ذلك من خلال البحث عن المساعدة والتعبير بصدق عن المشاعر والاعتقادات والأفكار .

كذلك تعليم المدمن كيف يواجه الخوف وكيف يطالب بالحقوق الذاتية والتعامل مع الحرمان إضافة إلى التعامل مع ضغوط الرفاق وتأكيد الذات من خلال عدم الانصياع لبعض الطلبات أو الأوامر من قبل الزملاء أو الأصدقاء وذلك باتخاذ القرارات التي تمثل قناعاته الذاتية .

8- تحسين مهارات التأقلم والمواجهة :

وفيها يتم تدريب المدمن وتعليمه تسهيل عملية تحديد المشاعر والتعرف عليها . كذلك يشجع المريض على إخراج المشاعر بطريقة مناسبة مع تغذية راجعة لحل المشكلات بفاعلية وإستقلالية . أيضاً يتم وضع حدود على السلوك المتقلب أو غير الثابت والمستقر مع تطوير سلوكات اجتماعية مناسبة إضافة إلى تشجيع الحالات على تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات .

9- إختراق عملية الأفكار :

ويعمل المعالج على مساعدة المدمن على التغلب على حيلة الإنكار التي يستخدمها وذلك بتطوير إتجاه عدم إصدار الأحكام وتعليم وتصحيح المفاهيم الخاصة مع تغذية إيجابية راجعة للوعي وتحمل المسؤوليات الشخصية .

10- تشجيع الانقطاع عن التعاطي :

وذلك بتعزيز الالتزام وتطوير برنامج انقطاع ومتابعة مع الفريق المعالج .

11- دعم وتثقيف الأسرة :

ويتم فيها تقييم مواقف الأسر وسلوكاتها من المدمن (اللوم ، العزلة ، والخوف ، الخجل ، العيب الاجتماعي ، مشاعر الذنب ، ... إلخ) . كذلك يكشف المعالج
للمدمن وأسرته كيف أن سلوكاتهم تدعم السلوك المضطرب وتعززه .

أيضاً في هذه الفنية يتم تعليم المريض مهارات الاتصال والتفاعل وإقامة العلاقات سواء مع أعضاء الأسرة أو بين أفراد الأسرة أنفسهم حتى تتم عملية التواصل والتفاعل بشكل إيجابي .

12- التعلم من خلال النمذجة :

وفيها يتم تقديم سلوكات مرغوبة لنماذج اجتماعية مقبولة من خلال الفيديو أو التسجيلات أو محاكاة أوضاع حياتية واقعية .

13- إزالة الحساسية بانتظام :

ويتم فيها إزالة مشاعر الخوف والقلق لدى المريض والتي قد تسببها متغيرات بيئية اجتماعية حيث تتم عملية إزالة مشاعر القلق بطريقة تدريجية .

14- الاسترخاء :

وتساعد في إزالة التوترات والإجهاد عند ممارستها مرة واحدة على الأقل يومياً .

15- العلاج التنفيذي :

ويستخدم مع المدمنين على الكحوليات على وجه الخصوص وذلك بأن يقرن سلوك
التعاطي بمثير مزعج مثل تعريف الصدمة الكهربائية بإعطائه مادة كيماوية مثل الإنتابيوز تسبب الغثيان والتقيؤ مما يجعله يحمل مشاعر الكره والتقزز للمادة الكحولية أو المخدرة نتيجة لهذه الاستجابات المزعجة .

16- تطوير إستجابات توكيد الذات :

والتي حددها ريتشي (1975) في ثمان استجابات هي : رفض الطلبات ، التعبير عن الشخصية ، البدء في الاتصالات الاجتماعية ، التعبير عن المشاعر الإيجابية، التعامل مع النقد ، الاختلاف مع الآخرين ، التأكيد في المواقف الخدماتية ، وتقديم تغذية سلبية راجعة .

ثالثاً العلاج الجمعي :


وفيه يتم تشجيع أعضاء المجموعة العلاجية من المدمنين على تكوين التفاعلات البينشخصية والتفريغ الانفعالي والتعبير عن الدعم المشترك لكل عضو من زملائه .

رابعاً العلاج الأسري :


وفيه يقوم المعالج بتقديم وتطبيق عدد من أساليب العلاج الأسري تساعد في رفع مستوى الوعي والإدراك بوجود علاقات مرضية واتصالات غير فعالة والعمل على مساعدة أعضاء الأسرة في بناء طرق صحية جيدة تسهل عملية التفاعل والتواصل وفهم كل عضو لشخصية وظروف العضو الآخر .

خامساً العلاج الاجتماعي التدعيمي :


وهنا يمكن للمعالج النفسي تطوير تدخلات وخطط تتضمن تحسين الروابط والاتصالات والعلاقات بين
المدمن والأهل والأصدقاء والزملاء وعدم تجاهل هذه في الفئات في البرامج العلاجية .

أيضاً يتم تزويد المريض بفنيات إدارة الضغوط ومعالجتها وكذلك بأسماء الهيئات والجمعيات الداعمة والتي يمكن للمريض العودة لها والتواصل معها .

سادساً برامج الرعاية اللاحقة :


وفيها يحاول الفريق المعالج متابعة المريض بعد خروجه من منطلق حاجته الدائمة إلى الدعم والتعزيز الإيجابي المتواصل حتى يتمكن من التحكم في أسلوب حياة نقي من الشوائب . هذه العملية تتطلب القيام بزيارات متكررة ومنتظمة واتصالات مرتبة من قبل المدمن مع الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين ، ومراجعة العيادات الخارجية لتشجيع الحالات وتدعيم الإنجازات الشخصية والمساعدة في مقاومة الأوضاع والظروف الضاغطة المستجدة خلال مراحل علاج الادمان وذلك كجزء من برنامج الوقاية من الانتكاسات المرضية.

0 comments:

إرسال تعليق